احمد عادل
مواكبة للتحولات الرقمية العالمية؛ تسارع سلطنة عُمان الخطى ماضية في تحقيق خطوات للوصول إلى مستويات متقدمة في نهج الحكومة الإلكترونية والتكنولوجيا الحديثة، وذلك عبر تطوير أدوات وقنوات جديدة مستفيدة من المتغيرات التقنية والفرص التي تمد أذرعها الثورات الصناعية المتلاحقة.
وتماشيا مع رؤية عمان 2040 التي اعتمدت قطاع تقنية المعلومات والاتصالات واحداً من القطاعات الممكِّنة والمحفزة للقطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، اعتمدت حكومة سلطنة عمان البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي الذي يمثل التوجه الاستراتيجي لبناء اقتصاد رقمي مزدهر يسهم بفعالية في الناتج المحلي الإجمالي، يأتي استكمالا لاستراتيجيات الرقمنة في سلطنة عمان بداية من استراتيجية عمان الرقمية في عام 2003 ثم الاستراتيجية الوطنية للنطاق العريض في عام 2014م.
ويسعى البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي إلى مضاعفة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي ليقفز من 2% في عام 2021 ليصل إلى 10% في عام 2040. إضافة إلى أن البرنامج يهدف إلى أن تتبوأ سلطنة عمان مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات الاقتصاد الرقمي المختلفة التي ترصدها رؤية عمان 2040 مثل مؤشر تطوير الحكومة الإلكترونية ومؤشر جاهزية الشبكات.
ويحتوي البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي على مجموعة من البرامج التنفيذية متوسطة المدى مثل برنامج التحول الرقمي الحكومي، وبرنامج البنى الأساسية، وبرنامج الصناعة الرقمية، وبرنامج التجارة الإلكترونية، وبرنامج الذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة وبرنامج الفضاء.
جاهزية سلطنة عمان لتبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة
وفقًا لمؤشر أكسفورد إنسايت للذكاء الاصطناعي للجاهزية الحكومية لعام 2020، تحتل سلطنة عمان المرتبة 48 عالميًا، والسادسة على مستوى الشرق الأوسط، إذ ينظر المؤشر إلى مختلف العوامل المرتبطة بتمكين مجالات الذكاء الاصطناعي، كاستراتيجيات الدول الوطنية المرتبطة بخطط تبني تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والقدرة على الابتكار، والإمكانيات الرقمية، وآليات التكيف، ورأس المال البشري، والرؤى، ونظام الحوكمة، والبنى الأساسية.
ولتحسين إنتاجية القطاعات الاقتصادية تنظر سلطنة عمان للذكاء الاصطناعي على أنه ممكِّن حيوي، يمكن أن ينعكس على عدد من المبادرات في القطاعات الاقتصادية والخدمية التالية:
بادرت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، إلى إنشاء البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في عام 2020م ضمن هيكلتها الوزارية، على أنه واحد من البرامج التنفيذية للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، وذلك بعد مراجعة استراتيجيات عدة دول مثل الصين واليابان والمملكة المتحدة وروسيا في هذا المجال، إذ تعمل سلطنة عمان على إرساء الركائز الأساسية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، هادفة إلى إيجاد اقتصاد رقمي ممكن وفاعل ومعزز لإنتاجية القطاعات المستهدفة للتنويع الاقتصادي من خلال التطبيق المتكامل للتقنيات الذكية في نوعين من القطاعات الأساسية، ويشمل القطاع الأول: التحول الرقمي، وقطاع التعليم وقطاع الصحة، وقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، وقطاع الأمن والدفاع، وقطاع إدارة الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية، أما النوع الثاني فيشمل قطاعات التنويع الاقتصادي بما في ذلك القطاع اللوجستي والنقل، وقطاع الصناعة، والقطاع المالي والمصرفي، وقطاع الطاقة، وقطاع الثقافة والسياحة، وقطاع الثروة السمكية والزراعية، وقطاع التعدين، ويشرف البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي على ما يلي:
- إعداد برنامج وطني متكامل للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، يشمل السياسات والتشريعات وبناء القدرات والبحث والابتكار والتصنيع والاستثمار وتطوير الشركات الناشئة.
- التنسيق والتعاون بين أصحاب المصلحة من القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الأكاديمي لمشاركة المتطلبات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والتقنيات المتقدمة، والتكامل مع المشاريع والمبادرات القائمة.
- التواصل والتنسيق مع الجهات المحلية والدول المتقدمة والمنظمات والهيئات الدولية في المواضيع ذات العلاقة.
وهي غاية مرتبطة بأولوية وأهداف استراتيجية، تنطلق من أهمية تنمية المدن والمراكز الحضرية لتكون قادرة على النمو والانفتاح، وتعزيز الإنتاجية والقدرة على الإبداع والابتكار مثل مدينة العرفان، ومدينة الدقم، ومدينة السلطان هيثم، التي تأتي نتاجًا لرحلة التحوّل الشامل التي تنتهجها وزارة الإسكان والتخطيط العمراني نحو تنمية عمرانية مستدامة لمجتمعات مزدهرة من خلال تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية بالتوافق مع رؤية عُمان 2040، وتمثّل مدينة السُّلطان هيثم أهمية خاصة باعتبارها اللبنة الأولى للمشروعات القادمة ونموذجًا جديدًا لبناء مدن مستدامة تحاكي الحياة العصرية وتطلّعات الشباب في سلطنة عُمان.
وتضمنت الاتفاقيات الموقعة للمرحلة الأولى بين وزارة الإسكان والتخطيط العمراني وعدد من الجهات الحكومية والخاصة، توفير الخدمات التعليمية والصحية، وتسريع استخراج إباحات البناء للمطورين العقاريين، وتنفيذ مشروعات الطرق وخدمات البنية الأساسية لتقنية المعلومات والكهرباء والمياه والصرف الصحي وشبكة الري، وتمكين وتطوير تقنيات المدن الذكية بقيمة 10 ملايين ريال عماني.
واعتمدت المدينة تصاميم ذكية ومتكاملة توفر مستويات غير مسبوقة من الخصوصية في الوحدات السكنية، وتنسجم مع التطورات المستقبلية؛ إذ صممت البنية الأساسية بمرونة هندسية تراعي التكيّف المطلوب لاحتياجات النمو السكاني مستقبلًا.

أطلقت وزارة الصحة تطبيق (ترصد) لتوفير معلومات وتحديثات مستمرة لأفراد المجتمع حول كوفيد 19 في عمان، ويوضح التطبيق كافة المعلومات ذات الصلة بما في ذلك الانتشار الجيوغرافي للوباء. كما قامت الوزارة بالتعاون مع منصة (وريد) التي تضمن وصول الأدوية بشكل دوري إلى المرضى دون الحاجة إلى زيارة المستشفى.
طُورت طرق موثوقة للتغلب على العقبات التي تمنع من تقييم مدى طزاجة الأسماك، حيث أجريت دراسة علمية (بكلية الزراعة والعلوم البحرية) بجامعة السلطان قابوس للمساعدة في تقييم طزاجة الأسماك، وذلك من خلال استخدام التقنيات المتقدمة مثل جهازي E-Nose وE- Tongue اللذين سيعملان على دعم الطرق التقليدية أو استبدالها.
أطلقت وزارة الاقتصاد "المبادرة الوطنية لتمكين الاقتصاد الوطني المعزز بالذكاء الاصطناعي" لإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في المشروعات والبرامج الإنمائية في قطاعات التنويع المحددة بخطة التنمية الخمسية العاشرة (٢٠٢١-٢٠٢٥).
جرى تبني مشروع "الزراعة الذكية" في مشروع المليون نخلة باستخدام التقنيات الحديثة والروبوتات كأجهزة الطائرات ذاتية القيادة، وذلك لاستخدامها خلال مرحلة التلقيح بالإضافة إلى الكشف عن الأمراض والآفات الزراعية.
رُكبت "عدادات المياه الذكية" في مختلف محافظات سلطنة عمان من أجل احتساب استهلاك المياه عن بعد وخفض الفاقد منه، وإرسال إشعارات حول قراءات العدادات إلى العملاء بشكل مباشر، ويقدر أن يحقق المشروع حوالي 42 مليون ريال عماني من الوفورات المالية سنويا، كما طُورت منصة (نبراس) من قبل شركة تنمية نفط عمان (PDO) ، وتستخدم لدمج عمليات الشركة، وتعمل على الكشف عن أي إشكاليات في العمليات من خلال نظام مراقبة يعتمد على الاستثناء والتشغيل الآلي للعمليات، إضافة إلى تركيب عدادات الكهرباء الذكية الذي أطلقته نماء.
تُستخدَم أجهزة إطفاء الحريق الذكية، للكشف عن الحرائق ومكافحتها والسيطرة عليها بشكل فعّال، وتستخدم كاميرات المراقبة ومستشعرات الحركة في العديد من المؤسسات والجهات الحكومية مثل مطارات سلطنة عمان، ونقاط التفتيش الحدودية من أجل ضمان سلامة الركاب والحفاظ على الأمن العام للمنشآت، كما أبرمت وزارة التربية والتعليم اتفاقية لتطوير نظام "درب السلامة" لدعم حافلات المدارس بأحدث المعلومات وتقنيات الاتصال، إذ يعمل النظام على إشعار إدارة المدرسة في حال نسيان أي طالب داخل الحافلة وإنذار إدارة المدرسة والمديرية العامة للتربية والتعليم بالمنطقة في حال انحرفت الحافلة عن المسار المخصص لها، كما يمَكّن النظام أولياء الأمور والمسؤولين بالوزارة من ضمان سلامة أطفالهم عن بعد من خلال متابعة سرعة الحافلة وإشعار أولياء الأمور بتوقيت مغادرة الحافلة من المدرسة وعند اقترابها من المنزل.
تسعى سلطنة عُمان - وفق رؤية عُمان 2040- إلى تحقيق تعليم عالِي الجَوْدَةِ، مُدمج بالتقانة، يُعزِّز الابتكار وريادة الأعمال، ويَبني المهارات، لذا فإن الذكاء الاصطناعي أصبح أداة تختصر الكثير من الوقت والجهد لأي متعلم، بحيث يمكننا أن نصل إلى المعلومة ونحللها بشكل سريع جدًّا، بالإضافة إلى الحصول على محتوى تعليميّ متكيف مع الاحتياجات، في ظل التطور التكنولوجي، وأدوات التعليم المتطورة.
وحقق قطاع التعليم قفزة كبيرة خلال فترة كورونا (كوفيد19) باعتماد مسارات تعليمية بديلة للنمط التقليدي لضمان استمرارية التعليم عن بُعد، وأُنتجت الكثير من التطبيقات الذكية المساندة لعمليتي التعليم والتعلم، وسُخرت كافة الأدوات الداعمة للبيئة التعليمية الافتراضية، وجرى تدريب المعلمين وتأهيلهم معرفيًّا وتطبيقيًّا لإنتاج محتوى تعليمي رقمي واستحداث الأطر القانونية المنظمة لذلك.
كما وقّعت جامعة السُّلطان قابوس في مايو 2023 اتفاقية تعاونٍ مع شركة ستارفيجين الصينية للأقمار الصناعية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لإطلاق أوّل نموذجٍ عمانيٍّ للذكاء الاصطناعي إلى الفضاء، وذلك للعمل على توطين التقنيات المتقدمة في سلطنة عُمان، وزيادة الوعي بتقنيات الفضاء بين الشباب العُماني، وهذا سيوفر فرصةً نادرةً لطلبة قسم الهندسة الكهربائية والحاسب الآلي في الجامعة لاكتساب خبرة عملية في تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي ستُحمل على متن أحدث قمر صناعي للذكاء الاصطناعي، كما أنها ستعمل على تحديد سفن الشحن في بحر عُمان بغرض حماية البيئة البحرية العُمانية.
وينظم قسم الابتكار والأولمبياد العلمي بمحافظة ظفار سنويًّا مسابقات في مجالات الابتكار العلمي، إذ أوجدت لدى الطلبة الميول العلمي وأسهمت في تشجيعهم للتطلع نحو التخصص مستقبلًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والعلوم، بما أتاحت لهم من تفكير بآفاق مفتوحة للوصول إلى حلول ذكية تعزز من مهارات البرمجة وتوظيفها في حل مشكلات متنوعة في الحياة اليومية، وذلك في إطار تنافسي من خلال الموضوعات المطروحة سنويًّا كمسابقات الروبوت والطائرات بدون طيار.
وتقوم مبادرة "تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة" في ظفار على تطبيق تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في تعليم طلبة برنامج الدمج السمعي من خلال تطبيقاتها وبرامجها ومواقعها المتنوعة والبرامج الإلكترونية التي تسهم بالتفاعل بين الطلبة والمعلم خلال الأنشطة الصفية واللاصفية بالحصص الدراسية. ويأتي تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة تحقيقًا لـ"رؤية عُمان 2040".
تهدف هذه المبادرة إلى بناء منصة مركزية لكافة المبادرات الذكية في السلطنة، لتجسير قنوات التواصل بين الجهات المرتبطة بتوفير حلول ذكية، كما تهدف إلى التعريف بالمبادرات وتسويقها على المستوى المحلي والدولي ودعم الباحثين والمهنيين بالبيانات المتاحة، وتسويق الحلول الذكية للشركات والأعمال التجارية.
تعليقات
إرسال تعليق